🌾 #الفقهُ_هو_السياسةُ..🌾

🌾 #الفقهُ_هو_السياسةُ..🌾

تحريراتُ العلامة الحنبلي الأشعري نجم الدين الطوفي ت716هـ المشهور بشرحه عَلى الروضة وبمختصره الأصولي البُلبل وبكتابه عَلَمُ الجَذَل في عِلْمِ الجَدَل وبكلامه عن مفهوم المصلحة في شرحه للأربعين النووية هي من أنفس التحريرات التي ينبغي أن يطالعها العالمُ وطالب العلم الجاد في مباحث علم الأصول وتدقيق مسائلها بين المذاهب..
1- ومن لطيف ما قرأتُ له لأضرب به المثَل على دقته في المُباحَثة وجودته في تلخيص الأقوال واستخلاص ثمرات الآراء؛ أنه بنى كتابه الإشارات على مقصد عظيم؛ وهو أن كتاب الله قد وفَّى للعقل بكل الأصول التي يحتاج النظر إليها؛ فليس يحتاج إلى فلسفات عاطلة ولا جدالات باطلة؛ لأنه لا يجوز أن يكون الإسلام دينا وليس له أصول؛ ووجوبُ وجودِ أصولٍ لهذا الدين يُوجبُ كونَها في كتابه الأكبر وهو وحيه الأظهر بِنوعَيها أصول الدين وأصول الفقه.. فالقرآنُ أصل الأصلينِ..
فقد أولاهما القرآن عناية فائقة وكانت أكثر المباحث القرآنية تقريراً وتحريراً وتذكيراً.. ويخلص #الطوفي من هذا التمهيد إلى أن القرآن هو أصل الأصول؛ وأن كل الأصول الأساسية والقواعد الكلية العقلية والشرعية مذكورة فيه على أتم وجه وأوضحه..
ثم ينبه رحمه الله إلى أن هذا التأصيل لا ينفي اعتماد اجتهادات العلماء؛ وإنما يرجع الأمر إلى نصابه، حتى لا ينسى المسلم أن أصول دينه موجودة بالأساس في كتاب ربه؛ ولا حرج من الاستعانة بعلوم الأئمة في كتب العقائد وعلم الكلام التي تقرر أحكام عقائد الإسلام بالحجج الشرعية المؤيدة بالبراهين العقلية؛ مِن ضرورات ومن مكملات ومن رد شبهات؛ ولذا قال رحمه الله 1/208 فعلم الكلام هذا “لم ينْهَ عنه أحدٌ؛ بل هو فرضُ كفايةٍ على المُوَحِّدين”..
2- ومن اللطيف أيضاً أنه لما ذكر #الفقه على عادة الأصوليين في تعريف أجزاء التركيب؛ عرَّفه بالتعريف السائد بقوله: “فالفقه علم يبحث فيه عن أحكام أفعال المكلفين وما أشبهها”.إهـ
ثم رجع إلى عادته في التثوير والتثمير؛ وتلك لعمر الله هي لذة العلم وزبدته بأن يورد العالِم روحَ العلم وينفذ بنظره إلى أعماقه، ليستخرج الآيات والغايات، ويسبر أغوار الأسرار؛ فتشعر بعظمة العلم في حروفه؛ وتدرك حيويتَه في كلماته؛ وتدفعك حرَكتُه وبركته مِنْ جُمَلِهِ.. قال رحمه الله:((وإن شئت قلت: الفقهُ سياسة شرعية؛ مادتُها تعظيم الشرع، وغايتُها الطاعة والعدل، وثمرتُها السعادة يوم الفصل.
-أما إنه السياسة: فلأن السياسة هي القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح، وانتظام الأحوال، والفقه كذلك، لكن لما كان هذا القانون من جهة الشرع قلنا: هو سياسة شرعية.
-وأما إن مادتها تعظيم الشرع: فلأن من لا يعظم الشرع لا يرتبط بأحكام الفقه عبادة ولا عادة.
-وأما إن غايتها الطاعة والعدل: فلأن خطاب الشرع الواجب تعظيمه بإمتثاله الوارد بالأحكام الفقهية يتعلق بالعبادات والعادات؛ فامتثاله في العبادات طاعة، وفي العادات بكف أذى الناس بعضهم عن بعض، والتزام الإنصاف بينهم، وهو طاعة وعدل.
-وأما أن ثمرتها السعادة يوم الفصل: فلأن الفقه شرع الله وأوامره، فمن امتثلها كان مطيعا، ومن كان مطيعا كان من أهل السعادة إن شاء الله عز وجل.)). إهـ فأصَّل وطرح ثم فَصَّل وشرح..
فأما الطرح المؤصل فتلخيصه لعلم الفقه ولحركة الفقهاء في أربع نقاط ينبغي أن تكون عنوان كل #درس_فقهي وشعار كل فقيه وفاتحة كل فتوى..
قال:
1- الفقه: سياسة شرعية
2- مادتها: تعظيم الشرع
3- وغايتها: الطاعة والعدل
4- وثمرتها: السعادة يوم الفصل.
وهنا يضعنا رحمه الله لمواجهة عدة تيارات أبرزها ثلاثة: 1-نفاة السياسة عن الدين 2-جامدوا التفقه 3-مقاصد الفقه الحياتية ومقاصده الأخروية.. فالذين يزعمون بأن لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة من علمانيين ومن متدينين ك #أدعياء_السلفية الذين تجهزوا لاتباع الغرب والاستبداد في حرب ما سموه #الإسلام_السياسي لم يفهموا حقيقة الإسلام ويريدون طمس آثاره وفاعليته؛ ولم يستوعبوا أن أعظم علومه التي تجمعت الأمة ومصادرها لتألفيه وتقنينه وهو علم الفقه بمختلف مدارسه وأصوله ومستوياته ما هو إلا سياسة؛ بل هو السياسة التي جاء بها الإسلام بثوابته ومتغيراته بأصوله وباجتهاداته بنصوصه وبقواعده وضوابطه؛ مما يمثل رصيداً دستوريا ضخماً ومرتكزاً معرفيا كبيراً لو كان عند غيرنا من الأمم لكتبوه بمَسِيل الذهب و ماء العيون.. فالفقه هو سياسة الشارع وحينما نقول الإسلام عقيدة وشريعة؛ فمعناه أن الإسلام عبادات وقوانين؛ ولا يمكن أن تكون القوانين بغير تمكين ولغير مقَنَّنين؛ وهذا هو لُب الفقه الإسلامي؛ وكلما كان العالِم به أعرف ولفنونه أتقن كان على سياسة الناس أقدر وبسياسة الشريعة أعلم فلا ينقصه معه إلا توسيع المُدارسة وتحقيق المُمارسة! وهذه هي حقيقة #الكياسة_فيالسياسة؛ وليس كما يزعم أولاد خونة الاستعمار بأنها #نجاسة حتى أخلوا الأجواء لساسة النجاسة ثم صاروا معهم بعدُ في مجالسة ومؤانسة..
وهذا هو أمد أبعاد كلمة الطوفي التي خرج بها عن مألوف الأصوليين؛ ليبعث في الطالب وفِي الفقيه روح العمل والتغيير وروح الإنجاز والتأثير؛ وأن الفقه ليس مجرد رصد لأفعال المكلفين لغير هدف وبلا غاية بل هو حقيقة وحقيقته هي سياسة الناس في كل المجالات؛ وباستجماع مختلف الآلات؛ كما أنذر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مخالفة ذلك بقوله ” قَدْ عَلِمْتَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ مَتَى تُهْلَكُ الْعَرَبُ، إِذَا سَاسَ أَمَرَهُمْ مَنْ لَمْ يَصْحَبِ الرَّسُولَ، وَلَمْ يُعَالِجْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ ” .أخرجه ابن سعد..
وقد قال لي الدكتور الريسوني ونحن نتذاكر بعض شجون الفقه والسياسة لطيفةً نسجَها على منوال قول بعض الفقهاء “من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق” فقال هو ما أجدرَنا أن نقول الْيَوْمَ:
(“من تدين ولم يتسيس فقد ترَهْبن، ومن تسيس ولم يتدين فقد تعلْمن، ومن جمع بينهما فقد تمكن”.) إهـ وقد أصاب حفظه الله ولمرمى كلام الطوفي يرمي وإليه ينتمي..
وقد زادها الطوفي بياناً هنا بقوله رحمه الله: “أما إنه السياسة: فلأن السياسة هي القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح، وانتظام الأحوال، والفقه كذلك، لكن لما كان هذا القانون من جهة الشرع قلنا: هو سياسة شرعية.” إهـ
ولا يقتصر الطوفي على بيان حقيقة الفقه وأنها السياسة حقيقة وأنه عمل سياسي وأن السياسة هي وظيفته ومن أجلها كان الفقه ولأجلها يكون الفقيه!! بل يعطيك المادة التي منها تتكون هذه الحقيقة وهي أن تُبنىٰ على تعظيم الشرع وتقديمه على كل السياسات وكل التوجهات ويوضحها بقوله: (وأما إن مادتها تعظيم الشرع: فلأن من لا يعظم الشرع لا يرتبط بأحكام الفقه عبادة ولا عادة.)
وهذا درس مهم في تعليم الفقه وبثه في الأمة أنه لا يجوز انفكاكه عن روحانيته وعقيدته ومنزله ورسوله وأن أساس السياسة بالدِّين التعظيم لرب العالمين والتسليم للنص المقدس بعيدا عن القراءات المحرفة والرخص المخرفة؛ وقد أخطأ الناس هنا من جهتين: -من فصل الفقه عن العمل والأخلاق- ومن ظن أن الناس سينقادون للشريعة وهم لم يعودوا معظمين لها ولا يشعرون بأهميتها وكثرت عليهم الشبهات الداعية لجواز الانحلال منها..
والطوفي هنا يربط درس الفقه بدرس التعظيم وأن أن النجاح في درس الفقه ليكون سياسة تؤطر حياة الناس في مختلف المجالات لا بد أن تمر على جسر التعظيم وينبغي أن يهتم به في رسالتها الإصلاحية لتحصل تلك الطواعية لرب البريَّة..
ثم يختم الطوفي هذه الالتفاتة بدرس الفقه المقاصدي وأن الفقه في حقيقته ومادته لا بد من غاية يصل بك إليها وهدف يحققه معك؛ فليس الفقه نظريات مجردة أو منظومات رجزية جوفاء أو متون زجرية جرداء؛ بل هناك مطمح كبير ومطلب سامٍ للفقيه حين يخوض غمار هذا العلم ليكون به صالحا في نفسه مصلحا لمجتمعه ولأمته في السياسة وفي الاقتصاد وفِي الاجتماع وفِي الحقوق وفِي التعليم وفِي العدالة والكرامة والحريّة وفِي كل شيء لله عليه يدٌ فله سبحانه فيها كلمة إما بالنص أو بالاجتهاد أو بالإباحة وهل يوجد في الكون ما ليس لله تعالى.. وقد أوجز الطوفي تلك الغاية من الدرس الفقهي بقوله: (وأما: إن غايتها الطاعة والعدل: فلأن خطاب الشرع الواجب تعظيمه بإمتثاله الوارد بالأحكام الفقهية يتعلق بالعبادات والعادات؛ فامتثاله في العبادات طاعة، وفي العادات بكف أذى الناس بعضهم عن بعض، والتزام الإنصاف بينهم، وهو طاعة وعدل.)
ثم ختم رحمه بالغاية الأخروية وبملاذِ يوم الدين الذي لولا الإيمان به واليقين بالعود للحكم العدل واليوم الفصل لانتشر الظلم والفساد أكثر مما هو عليه فكان الدرس الفقهي عند الطوفي أحد روافد تقوية الإيمان باليوم الآخر وربط الناس عامتهم وعلمائهم بيوم القبر والحشر والتغابن.. وهذا هو منتهى السعادة العلمية إذ يشعر الدارس بأن لا حدود لعمليته التعليمية بحيث يرى في الفقه تلك الفلك التي تحمله في بحار الدنيا والآخرة ليأخذ الناس بها إلى شاطئ النجاة مراعيا الحقائق والغايات جالباً للسعادة والثمرات.. وهو ما ختم به الطوفي شرح مفهوم الفقه عنده بقوله:
(وأما أن ثمرتها السعادة يوم الفصل: فلأن الفقه شرع الله وأوامره، فمن امتثلها كان مطيعا، ومن كان مطيعا كان من أهل السعادة إن شاء الله عز وجل.)إهـ هذا ما تيسر إبرازه من فقه هذا الإمام الألمعي ودقة تنبيهاته؛ بعيداً عمن يرميه بالرفض والتشيع؛ وعمن يميع الدين بسوء استخدام لمفهوم المصلحة المرسلة عنده؛ وقد حاولتُ أن أفتح هذه النافذة من علومه رحمه الله لنبين ضلال أولئك العابثين من المشنِّعِين ومن المستغِلِّين.. والغرض الأهم أن نتعلم بأن منهج الإصلاح العام ومنه الإصلاح السياسي إن لم يمر عبر الفقه الرصين والفقهاء الربانيين؛ فلن يعطي ثماره وستبقى المعالم منحرِفةً في كلا السبيلين في سبيل الفقه وفِي سبيل السياسة.. يذكرنا هذا بما قدمه بعض الباحثين من ضرورة «إخراج الدين من بطن الدولة»، ولكن على معنى أن يكون الدين في عقل المجتمع وقلبه؛ ودون وصاية تشويهية من أحدٍ.. وهذه عند بعض الباحثين أفضل أطروحة نظرية إصلاحية حتى الآن يمكن أن يُشيَّدَ على أساسِها بناءٌ جديد لفقه السياسة الشرعية… والقصد أن السياسة هي الفقه ولا فقه إلا مع سياسة..
ومن هذا المدخل الذي يجب أن نربي عليه الأجيال المتفقهة سيسهل علينا مستقبلاً بناء الموقف الشرعي بعد مرحلة طلب العلم الشرعي؛ وسيكون سهلاً الربط بين الحكم الشرعي وبين النظر الفقهي وبين الرأي السياسي؛ وسنتمكن من تخريج علماء يحسنون الربط بين الثلاثة في المواقف وفِي النوازل وفِي الرؤى ويُمايزون حالَ الضيق بين التوجيه الديني وبين وِجْهات النظر؛ سواءً كانت فتاوى فقهية بثوب سياسي أو تدبيرا سياسيا بمستندٍ فقهي؛ ولذا لم يستغن الإمام الغزالي في إحيائه رغم أنه مشهور في التصوف والأخلاق عن ذكر السياسة وأحكامها؛ لأنها ولا شك أحدُ أهم أبواب الدين الذي يريد أبو حامد إحياء علومه؛ فذكر طبقات السياسة والسياسيين وقسمها إلى أربع مراتب، أعلاها مرتبة الأنبياء وسياسة الأنبياء، ثم سياسة الأمراء، ثم سياسة العلماء، ثم سياسة الوعاظ والدعاة.. فالدين حُكم الله بين عباده في العبادات وفِي المعاملات وهذا الدين عنوانه هو الفقه ولا معنى لفقه لا ينزل للحكم كيف واسمه علم الأحكام وقد قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار}. فالعلماء الربانيون هم الذين يُحَكِّمون القرآن وهداياته في الأنام ذلك غاية إنزال القرآن وإِحكامِ أَحْكامه.. ولذلك كان أجمع تفسير عندنا لمعنى “الربانيين” أنهم مشتقون من مجموع ثلاثةٍ: -من الرب- ومن الرُّبَّان-ومن التربية.. فالرباني في الشريعة: “هو القائد بحسن تربية على نورٍ من الله للتزكية وللتنمية”.. قال ابن جرير رحمه الله: “والربانيون.. هم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم..”.قال سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ) محتجاً إن «الشريعة هي السياسة الكاملة».. والله أعلم..
اللهم اجعلنا من الفقهاء بحق واهدنا للحق..
🌴محبكم عادل بن المحجوب رفوش المشرف العام ل مؤسسة ابن تاشفين 🌴